الدعاء… السلاح الذي لا يُهزم

في زحام الحياة وتقلباتها، قد يشعر الإنسان بالضعف، بالضياع، أو حتى بالعجز. لكن هناك بابًا لا يُغلق، وسلاحًا لا يُكسر، وملاذًا لا يُخذل من احتمى به. إنه الدعاء.

قال النبي ﷺ: “أعجز الناس من عجز عن الدعاء.”
وهل هناك عجز أعظم من أن تملك القدرة على رفع حاجتك لمن بيده كل شيء، ثم لا تفعل؟

الله جل جلاله قريب، وهذه ليست مبالغة عاطفية بل حقيقة ربانية قالها بنفسه:
“وإذا سألك عبادي عني فإني قريب، أجيب دعوة الداعِ إذا دعان.”

القرب صفة من صفاته، أما البعد فمنا نحن. الله لا يغيب عنك، يعلم ما في قلبك وما لم تبح به حتى لنفسك. أحد الصالحين دعا يومًا: “اللهم إنك تعلم ما في نفسي، فأعطني ما في نفسي.”
ولأن من سأل هو العليم الخبير، فقد أعطاه.

الدعاء لا يقتصر على طلب الحاجات، بل هو أداة ربانية ترفع البلاء قبل نزوله، وتخففه إن وقع، أو تدافعه حين يستقر.

قال ﷺ: “الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء.”
ويؤكد ابن القيم هذا المعنى فيقول: “الدعاء عدو البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه أو يخففه إذا نزل.”

تخيل هذا المشهد:
بلاء نازل من السماء، ودعاء صاعد من الأرض، يلتقيان ويتصارعان، فإن كان الدعاء قويًا – ممتلئًا بيقين، وخشوع، وتضرع – دفع البلاء وأبعده.
وإن كان متساويًا، بقي معلقًا.
وإن كان ضعيفًا، لسان يتحرك وقلب غافل، فقد لا يدفع البلاء، لكنه على الأقل يخففه.

يشبهه ابن القيم بقوس ضعيف، لا يخترق الهدف، لكنه قد يصيبه بشيء من الأثر.

فأنت حين تدعو، كأنك ترسل سهمًا نحو البلاء… فإن شددت وتر القلب، أصبته. وإن تراخيت، فلا تلومنّ إلا نفسك.

لهذا، حين سأل الصحابة النبي ﷺ: “إذا نكثر؟”
قال: “الله أكثر.”

الدعاء ليس طقوسًا، ولا كلمات محفوظة فقط، بل صلة، يقين، وخضوع. هو إعلان ضعف أمام القوي، وطلب ستر ممن لا يغفل، ولا يخذل.